باب ما يقوله عند النوم
قال الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} الآيات [آل عمران (190، 191)]. ***________________________________________
عن حذيفة وأبي ذر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت». رواه البخاري.
----------------
فيه: استحباب هذا الذكر عند النوم.________________________________________
عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: «إذا أويتما إلى فراشكما - أو إذا أخذتما مضاجعكما - فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين» وفي رواية: التسبيح أربعا وثلاثين، وفي رواية: التكبير أربعا وثلاثين. متفق عليه.
----------------
قال بعض العلماء: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه، من شغل ونحوه. قلت: ويشهد لهذا سبب هذا الحديث، وهو أن فاطمة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - خادما، فذكر لها هذا الذكر، وقال: «إنه خير لكما من خادم».________________________________________
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين». متفق عليه.
----------------
فيه: استحباب نفض الفراش قبل الاضطجاع لئلا يكون دخل فيه حية، أو عقرب، أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر، وقد قال الله تعالى:... {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الزمر (42)].________________________________________
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأ بالمعوذات، ومسح بهما جسده. متفق عليه. وفي رواية لهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: {قل هو الله أحد}، و {قل أعوذ برب الفلق}، و {قل أعوذ برب الناس} ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه.
----------------
قال أهل اللغة: «النفث» نفخ لطيف بلا ريق. المعوذات: «قل هو الله أحد»، والمعوذتين، كما فسره في الرواية الأخرى. والنفث: شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل.________________________________________
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول». متفق عليه.
----------------
قوله: «أسلمت نفسي إليك»، أي: جعلتها منقادة لك، تابعة لحكمك. و «فوضت أمري إليك»، أي: رددته إليك. و «ألجأت ظهري إليك»، أي: اعتمدت عليك في أموري كلها. و «ورغبة ورهبة إليك»، أي: خوفا من عقابك وطمعا في ثوابك. و «لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك»، أي: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك، ولا منجا إلا إليك. و «آمنت بكتابك الذي أنزلت» يعني: القرآن وجميع الكتب السماوية. و «وبنبيك الذي أرسلت». وفي رواية: أنه قرأها البراء فقال: و «وبرسولك الذي أرسلت». فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قل: وبنبيك الذي أرسلت». و «فإن مت مت على الفطرة»، أي: الدين. وفي رواية: «وإن أصبحت أصبت خيرا، واجعلهن آخر ما تقول ليكون ختما حسنا».________________________________________
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي». رواه مسلم.
----------------
فيه: تعداد العبد للنعم على نفسه، والنظر إلى من جعلهم الله دونه، فهو أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه.________________________________________
عن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد، وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
ورواه أبو داود؛ من رواية حفصة رضي الله عنها، وفيه أنه كان يقوله ثلاث مرات. هذا منه - صلى الله عليه وسلم - خضوع لمولاه، وأداء لحق مقام الربوبية، وتنبيه للأمة أن لا يأمنوا مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.________________________________________
- كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب (56)].
----------------
أمر الله كل مؤمن بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - ووطأ قبله بالإخبار عنه تعالى، وعن ملائكته الكرام، بأنهم دائمون على ذلك. قال أبو العالية: صلاة الله تعالى: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون: يبركون. وروي عن سفيان الثوري، وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة. وصلاة الملائكة: الاستغفار. قال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية، أن الله سبحانه وتعالى أخبر عبادة بمنزلة عبده ونبيه في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعا.________________________________________
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا». رواه مسلم.
----------------
الحديث: رواه أحمد أيضا عن أبي موسى بلفظ: «من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات».________________________________________
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
قوله: «أولى الناس بي»، أي: أخص أمتي بي، وأقربهم مني، وأحقهم بشفاعتي يوم القيامة، أكثرهم علي صلاة.________________________________________
عن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي». فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟! قال: يقول بليت. قال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
في هذا الحديث: استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة.________________________________________
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
----------------
فيه: استحباب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر، وذم من لم يصل عليه إذا ذكر عنده.________________________________________
عن أبي هريرة رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
أول الحديث: «لا تجعلوا بيتوكم قبورا»، أي: لا تعطلوها عن الصلاة فيها، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى، ومن تشبه بهم من هذه الأمة. قوله: «ولا تجعلوا قبري عيدا». العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان. قوله: «وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام، يحصل مع قربكم من قبري، وبعدكم فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيدا.________________________________________
عن أبي هريرة رضي الله عنه -: قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
عن سهيل بن أبي صالح، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر، فناداني - وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشى - فقال: هلم إلى العشاء. فقلت: لا أريده. فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إذا دخلت المسجد فسلم. ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيدا»، «ولا تتخذوا بيتوكم مقابر»، «وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم»، «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء. رواه سعيد بن منصور.
________________________________________
عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
----------------
قوله: «البخيل»، أي: كامل البخل. وفي رواية: «البخيل كل البخل من ذكرت عنده فلم يصل علي».________________________________________
عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له - أو لغيره -: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو بعد بما شاء». رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
----------------
فيه: استحباب بدء الدعاء بالحمد لله، والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.________________________________________
عن أبي محمد كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد». متفق عليه.
----------------
قوله: (قد علمنا كيف نسلم عليك)، أي: بما علمهم في التشهد من قولهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.________________________________________
عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم». رواه مسلم.
----------------
قوله: «كما صليت على إبراهيم». «وكما باركت على إبراهيم». وقع للبخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام، من حديث كعب بن عجرة بلفظ: «كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم». وكذا قوله: «كما باركت»....________________________________________
عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». متفق عليه.
----------------
قوله: «وعلى أزواجه». زوجاته - صلى الله عليه وسلم -: إحدى عشرة، توفي منهن اثنتان على عهده، ومات عن تسع. «وذريته»، أي: جميع أولاده، وبناته، وذريتهن.________________________________________