باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها

Home » Video Category » الكل » الأحاديث النبوية » كتاب رياض الصالحين » باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها

قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر (7)].
----------------
في هذا الآية دليل على وجوب امتثال أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم.
________________________________________
قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم (3، 4)].
----------------
أي: لا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا حقا، وليس عن هوى ولا غرض؛ لأن ما يقوله وحي من الله عز وجل.
________________________________________
قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [آل عمران (31)].
----------------
نزلت هذه الآية حين ادعى أهل الكتاب محبة الله فمن ادعى محبة الله وهو على غير الطريقة المحمدية فهو كاذب في نفس الأمر. قال بعض العلماء: ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تحب. قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية.
________________________________________
قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب (21)].
----------------
الأسوة: الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في أقواله، وأفعاله، وأحواله.
________________________________________
قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء (65)].
----------------
سبب نزول هذه الآية: أن رجلا من الأنصار خاصمه الزبير في شراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما، وكان الزبير الأعلى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: «اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فاستوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ حق الزبير، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشار على الزبير برأي أراد سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى للزبير حقه، في صريح الحكم. قال الزبير: «والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء (65)]. قال ابن كثير: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا. كما ورد في الحديث: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
________________________________________
قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء (59)].
----------------
قال العلماء: معناه إلى الكتاب والسنة.
________________________________________
قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء (80)].
----------------
أي: من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله؛ لأن الله أمر بطاعته وإتباعه.
________________________________________
قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى (52)].
----------------
يعني: دين الإسلام.
________________________________________
قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور (63)].
----------------
في هذه الآية: وعيد شديد لمن خالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، إما فتنة في الدنيا أو عذاب في الآخرة.
________________________________________
قال تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} [الأحزاب (34)].
----------------
في هذه الآية: أمر لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا ينسين هذه النعمة الجليلة القدر وهي ما يتلى في بيوتهن من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
________________________________________
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم». متفق عليه.
----------------
هذا الحديث له سبب، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب وقال: «يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها مرارا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو قلت: نعم. لوجبت، ولما استطعتم»، ثم قال: «دعوني ما تركتكم..» الحديث. وهو من قواعد الإسلام المهمة، قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر (59)]. وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن (16)]. ويستفاد منه: كراهة كثرة المسائل من غير ضرورة. قال مالك رحمه الله تعالى: «المراء والجدال يذهب بنور العلم من قلب الرجل». وفي بعض الآثار: «إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العلم، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العلم».
________________________________________
عن أبي نجيح العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
----------------
«النواجذ» بالذال المعجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس. الخلفاء الراشدون هم: أبو بكر وعمر وعثمان، وعلي رضي الله عنهم. وفي الحديث: التمسك بالسنة في الاعتقاد والأعمال والأقوال، والتحذير من البدع، وهي ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة. قوله: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة». هاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة. قال الحسن: والله لا يستقيم الدين إلا بالأمراء وإن جاروا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون.
________________________________________
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى». قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى». رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة، وأن كلهم يدخلون الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتبع شهواته وهواه، قال الله تعالى {فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}... [النازعات (37: 41)].
________________________________________
عن أبي مسلم، وقيل: أبي إياس سلمة بن عمرو بن الأكوع - رضي الله عنه - أن رجلا أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت». ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: مشروعية الأكل باليمين، وكراهة الأكل بالشمال مع عدم العذر.
________________________________________
عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم». متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه. ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره، فقال: «عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم». في هذا الحديث: وعيد شديد على من لم يسو الصفوف، والحث على تسويتها، وجواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة.
________________________________________
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم، قال: «إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها عنكم». متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: الأمر بإطفاء النار عند الرقاد، لما يخشى من الاحتراق ويدخل فيه نار السراج وغيره، إلا أن يؤمن الضرر.
________________________________________
عن أبي موسى - رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه.
----------------
«فقه» بضم القاف على المشهور وقيل بكسرها: أي صار فقيها. قال القرطبي: هذا مثل ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء به من الدين، وشبه السامعين له بالأرض المختلفة. فمنهم: العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها. ومنهم: الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله: «نضر الله امرءا سمع مقالتي، فأداها كما سمعها». ومنهم: من يسمع العلم فلا يحفظه، ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة، أو الملساء التي لا تقبل الماء، أو تفسده. انتهى ملخصا. والحاصل أن الناس في الدين ثلاثة أقسام: قوم علموا وعملوا، وهم عامة المؤمنين. وقوم علموا وعملوا وعلموا، وهم العلماء. وقوم لم يعملوا، وهم الكفار والفاسقون.
________________________________________
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي». رواه مسلم.
----------------
«الجنادب»: نحو الجراد والفراش، هذا هو المعروف الذي يقع في النار. و «الحجز»: جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل. شبه - صلى الله عليه وسلم - تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم، وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم بتساقط الفراش في نار الدنيا، لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما ساع في هلاك نفسه لجهله.
________________________________________
عن جابر - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أيها البركة». رواه مسلم.
----------------
وفي رواية له: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة». وفي رواية له: «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذ سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى، فليأكلها ولا يدعها للشيطان». في هذا الحديث: الحث على كسر النفس بالتواضع، وأخذ اللقمة الساقطة، ولا يدعها كما يفعله بعض المترفين استكبارا والأمر بلعق الأصابع والصحفة.
________________________________________
ن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموعظة، فقال: «يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء (104)]. ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} إلى قوله: {العزيز الحكيم} [المائدة (117، 118)] فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم». متفق عليه.
----------------
«غرلا»: أي غير مختونين. قال الخطابي: فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع ذلك لبعض جفاة الأعراب، ولم يقع لأحد من الصحابة المشهورين.
________________________________________
عن أبي سعيد عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخذف، وقال: «إنه لا يقتل الصيد، ولا ينكأ العدو، وإنه يفقأ العين، ويكسر السن». متفق عليه.
----------------
وفي رواية: أن قريبا لابن مغفل خذف فنهاه، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: «إنها لا تصيد صيدا» ثم عاد، فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، ثم عدت تخذف!؟ لا أكلمك أبدا. الخذف: رمي الحصى بالسبابة والإبهام، أو بالسبابتين. وفيه: هجران أهل البدع والفسوق، ومنابذي السنة مع العلم.
________________________________________
عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقبل الحجر - يعني: الأسود - ويقول: إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الإتباع فيما لم يكشف عن معانيه، وهي قاعدة عظيمة في إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يفعله، ولو لم نعلم الحكمة فيه. وفيه: دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر خاصية ترجع إلى ذاته. وفيه: بيان السنن بالقول، والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر.
________________________________________

No videos found
زر الذهاب إلى الأعلى